كتبت – نورهان إسماعيل
الكاتبة والمؤسسة لبودكاست الجنس الآخر
طالما كان الإنترنت صديقي منذ الثانوية العامة، فهو كان السبب في الخروج من عزلتي و فتح عيني على العالم الخارجي. ليس فقط خارج البيت، لكن خارج مصر أيضا .
كان سببا في زيادة معرفتي ومساعدتي في مشاريعي في الكلية، ثم بسببه تم توظيفي في عدة شركات، وأعطاني الفرصة للعمل بالخارج أيضا. كان نافذتي للعالم منذ أكثر من عشرين عاما، وسببا في نجاحي في مشروعي الخاص، وكل أعمالي. بسببه نشرت مقالاتي وكتبي واعمالي، وتربحت منه كثيرا..وساعدني أكثر للتقرب من كل من أحب وما أحب.
تلك هي القصص المعلنة التي طالما تفاخرت بها منذ تعلمت كيفية الدخول للعالم الرقمي والذي هو جزء كبير من عملي حتى اليوم. حيث أن التسويق الرقمي و حماية حقوق الملكية الفكرية هم أساس عملي ، تلاه بالتبعية إدارة المحتوي الخاص بي سواء لصفحة كتاباتي أو البودكاست الخاص بالعلاقات. ولكن هناك جوانب خفية طالما أخفيتها لأنني بالطبع كان من السهل لومي عن مواجهة الحقيقة بأننا كفتيات نتعرض للعنف الرقمي والابتزاز بشكل كبير من المجتمع على نجدتنا من ذلك العنف.
محادثة واحدة ، أو صورة واحدة أرسلت لشخص وثقت فيه قد تؤدي إلى معارك نفسية دامية وتهديدات بالفضيحة وحتى الاستغلال لمجرد إنك كفتاة لن تجرأي لمواجهة أهلك بوجود هذا التهديد في حياتك لأنك وثقتي بأحدهم وأرسلت له رسالة خاصة أو صورة بدون حجاب أو حتى فتحت الكاميرا في محادثة بينكم.
للأسف ليس هناك العديد من الفتيات القادرات على إعلان ما يتعرضن له في مجتمعنا الذي سيلوم الفتاة على تصرفها بغض النظر عن خدعة هذا الشخص للوصول للحظة قد يستغل مشاعرها تجاهه أو طيبتها و ثقتها فيه. لن يبالوا كثيرا بما تشعر به من خطر ، ندم وحتى اكتئاب جراء هذا العنف النفسي الذي تتعرض له.
مشاركة صورة بدون حجاب مثلا أو حتى صورة عادية لكنها خاصة بشكل أو بآخر فجأة تتحول لتهديد بالفضيحة أو استغلال لإرسال لما هو أحسن له. فصورة خاصة واحدة ، لن يتوقف عندها الأمر ، بل سيتم طلب صورة تلو الأخرى ، وفيديو تلو الآخر. كل ذلك في سبيل الحفاظ على سمعتك أو الفضيحة.
لمشكلة حاليا أنه من السهل الوصول لحساب والد الفتاة أو والدتها أو كل العالم حولها، وبالتالي ستكون الفضيحة أسهل مما كانت في وقت أقدم. التواصل الرقمي على كل المنصات سهل فكرة الابتزاز .. و سهل سرعة انتشار الخبر والفضيحة.
قد يكون إرسال صورة أو فيديو سببا في ابتزاز ومساومة على طلبات أخري تحت تهديد الفضيحة، بقصد أو بدون قصد. فقد يلجأ شخص ما لإرسال رابط ويكون في وقتها لديه القدرة على الاضطلاع علي كل الملفات علي محمول الفتاة وبالتالي سيكون لديه ملفات كاملة وليست صورة واحدة.. فالخطر لا يأتي فقط ممن نثق فيهم، بل من أي رسالة تصلنا.
قد يتم التهديد بطلب سلسلة طلبات كلها لن تقدر الفتاة رفضها خوفا من ما ستتعرض له من لوم و عتاب وعقاب. ولكن للأسف قد يصل الأمر لنوع من أنواع السيطرة عليها وعلى أفكارها حتى تنصاع لطلبات هذا الذي صمم على إستخدام قوته عليها ، وقد ينتهي الأمر بأنها أما أن تقع ضحية اغتصاب، أو تجارة أعضاء أو حتي الدعارة.. أو أن تختار الانتحار مثلا علي أن يتم فضحها.
ليس هذا فقط ما قد يدمر أي فتاة علي شبكة الإنترنت ، ولكن لاحظت كم الهجوم علي آراء الفتيات على أي قضية أو حتى صورة. فالهجوم عليها يبدأ من إسكاتها ، للتقليل من شأن رأيها أو حتى الهجوم بالرسائل الجارحة لها ولأهلها .. وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلي مجرد رسالة للتعارف!
الإنترنت والمجتمع الرقمي غير آمن في العديد من الأوقات لأنه يتيح للجميع حرية التعليق والهجوم بدون الخضوع لرقابة مشددة نظرا لاختلاف اللغات بين واضعي قواعد المنصة عن المكتوب أحيانا.
كتبت تعليق على إحدى الصفحات النسوية مؤخرا علي بوست خاص بأسباب إنهاء العلاقة من طرف الفتاة في حالات مختلفة، وبالرغم من أن الصفحة نسوية تستهدف البنات بالأساس وجدت هجوما من قبل رجال والمثير للشفقة هو أن كلهم يستخدمون لفظ نسوية وكأنه توصيف أو لفظ خارج. هذا الأمر مزعج للغاية وفي رأيي يعتبر إرهاب فكري هدفه التقليل دائما من حرية المرأة في التعبير عن رأيها واحتقار آراءها.
الأمر الذي يقلق كثيرا هو حين تفتح رسائلك في الصندوق الآخر وتجد رسائل من مجهولين لا تعلم الفتاة من هم.. منهم من يعرض خدماته الجنسية أو يطلبها ، و منها من يشتم رأيا كتبته، أو من يتحرش لفظيا لمجرد أنه رأي صورة الفتاة العادية.
العالم الرقمي به تحرشات لا متناهية تصبغها الجرأة أو البجاحة من طرف الرجال الذي يتعرضون للنساء نظرا لغياب الرقابة أو التأكد أن العقاب ليس من جزاء العمل. مبررين كل تعدياتهم علي أحقية الفتاة في الكتابة أو استخدام صورها مثلا بأنها سمحت لهم بمجرد أنها لديها حساب على صفحة ما.
التهديد تهمة و لها قانون لعقابها.. وعلى كل فتاة أن تدرك إنها و إن أخطأت ، فأن هناك قانون يحميها من هؤلاء الخارجون ليس فقط عن القانون بل عن الأخلاق والمبادئ الإنسانية. وعلى كل فتاة التأكد أن حقها في التكلم و الإفصاح والإبلاغ عن أي شخص يسئ لها أو يبتزها، فهي تساعد العدالة في التخلص من هؤلاء و تنقذ ليس فقط نفسها بل وأخريات قد يقعن في نفس الحفرة التي حفرها لهم هذا الشخص.
وبالتبعية على بنات و سيدات مصر أن يحذرن الوقوع في أي من تلك الحيل التي قد تكون حتى من شخص مقرب والتي قد تنال من صحتهم النفسية جراء الخوف والقلق من التهديد والوعيد، بينما ما هو إلا جاني قد تعدى على حقوقهن وخصوصياتهن ، وما عليهن سوى الإبلاغ عنه وتوخي الحذر و تعلم كيفية إدارة كل محتويات صفحاتها وصورها، وألا تتردد في طلب العون قبل الانغماس في ما هو أكبر من ذلك. فهم حين يرون ضعف ضحاياهم، يشعرون بلذة إنتصار ، وبالتالي ما على الفتاة سوى الإبلاغ وأن تثق في أن هناك من سيدافع عنها وأنها ليست وحيدة في تلك المعركة.