مقال كيف تحول الخرافات بين المرأة وجسمها

كتبت: وفاء خيري

نقلا عن موقع المنصة

“بروز صدري خلاني أحس بالقلق والارتباك ما اتقبّلتش التغيير، كنت طفلة مش فاهمة حاجة عن جسمي” تسترجع سمر سليمان مشاعرها كطفلة تبدأ مرحلة البلوغ، التي تفتقد فيها الفتيات مصدرًا آمنًا للمعلومات عما يحدث لهن من تغيّرات، لتبقى المساحة مفتوحةً على مصراعيها للخرافات.

تقول سمر لـ المنصة “فجأة أمي اشترت لي حمالة صدر رياضية، ولما حكيت لصاحبتي، سألتني ليه إنتي نزلتي لبن؟”.

يُحاط الجسد الأنثوي في مجتمعنا بسلسلة من الخرافات ينميها المجتمع، تظهر في طريقة ارتداء الملابس، الحركة والصوت والتعاملات، ما يؤثر في كيفية تعاملهن مع التطورات الطبيعية التي يمر بها، البلوغ والزواج مرورًا بالحمل والولادة، ووظائفه البيولوجية والجنسية.

معلومات سرية

يبقى كل ما يتعلق بالاتصال الجنسي بالآخر سرًا مخفيًا لا يُكشف للفتيات إلا وقت الزواج، هذا إن ظَهر أصلًا. ينشأ هذا الجسد وسط توقعات مثقلة بالمعايير المجتمعية غير الواقعية، وما يُعتبر “مقبولًا” أو “غير مقبول” في إطار الثقافة السائدة

لم تراجع سمر البالغة من العمر اليوم 30 سنة صديقتها فيما أخبرتها به عن ارتباط بروز الثدي بإدرار اللبن.

كرهت سمر شكل ثدييها في بروزهما، ورأته “حاجة شاذة” فكانت ترتدي الصدرية طوال الوقت حتى أثناء الاستحمام، لتخبرها والدتها أن ذلك سيزيد من حجمهما وليس العكس. انصاعت الفتاة ذات الـ11 سنة لوالدتها في سبيل الحفاظ على شكل جسدها كما تعرفه، دون تغييرات لا تفهمها ولا تقبلها.

“ماحدش قالي إن ده طبيعي، وإن الثدي البارز من مظاهر الجمال، ماكنش عندي معلومة صحيحة، مجرد خرافات أمي بتقولها لي عشان عايزاني أتصرف بشكل معين” تقول سمر التي لم تنجح في التصالح مع ثدييها إلا بعد أن تزوجت وأنجبت وأرضعت طفلها، فاستطاعت أن ترى جسدها بشكل آخر.

عاشت سمر التي تعمل مصورة فوتوغرافية سنوات من حياتها في محاولات تجنب التعامل مع هذه المنطقة من جسدها، قدر الإمكان، في واحد من الآثار التي تتركها الخرافة على حياة النساء.

الحسد والجسد

ما واجه سمر ليس أمرًا فرديًا، تختلف فقط تفاصيله من فتاة لأخرى، عاشت سهام أحمد في محافظة أسيوط سنوات في قلق وحزن بسبب معلومة أخبرتها بها صديقتها عن البلوغ.

تقول سهام البالغة من العمر 23 سنة لـ المنصة “لما بلغت رحت قلت لأقرب صاحبة ليا، فقالتلي إنها بلغت قبلي بس ما قالتليش عشان ما تتحسدش”، كانت الصغيرة تعتقد كما أخبرتها والدتها أن بلوغها المبكر هو دلالة على أن “صحتها الإنجابية كويسة وهتخلف علطول، وده خلاني عايشة طول الوقت في قلق إن عندي مشاكل عشان إتأخرت لحد ما بلغت” رغم أن الفارق بينهما لم يتعد بضعة أشهر.

نتشكك في أبسط التصرفات البديهية خوفًا من أن تضرنا كنساء

بلغت الفتاتان في سن الثانية عشرة،  وهو عمر غير متأخر بالمرة، غير أن جهلهما بالحقائق العلمية حول البلوغ، وخضوعهما للخرافات المتداولة، حوّل سنوات بلوغها إلى سنوات من الخوف.

تساهم البيئات الريفية وغير المتعلمة في انتشار هذه الأفكار المغلوطة بالوراثة، دون التأكد من صحتها أو التشكيك فيها، وهو ما تؤكده دكتورة نادية جمال، استشارية أسرية وتربوية، لـ المنصة أن “ثقافتنا كأفراد لا تختلف عن ثقافات مجتمعاتنا فنحن نتأثر بما يدور حولنا وبقناعات آبائنا وأجدادنا، حتى وإن لم يكن لها دليل علمي”.

تُرجع الاستشارية الأسرية انتشار معلومات كثيرة خاطئة حول الجسد إلى قلة الوعي المتوارثة، “دون تحقق أو تأكد من صحة المعلومات، وجعلنا كذلك نتشكك في أبسط التصرفات البديهية خوفًا من أن تضرنا كنساء”.

كما حدث مع سهام التي نصحتها أمها بتجنب الاستحمام وقت الدورة الشهرية “عشان هتأذي المنطقة، نتعامل معها زي الجرح ما نقربش منها بمية غير لما يقف النزيف”، واستمرت في اتباع النصيحة رغم ضيقها من قضاء أربعة أو خمسة أيام كل شهر دون استحمام أو نظافة شخصية “كنت بحس إني مش نضيفة ومش طايقة نفسي ولا طايقة أعمل حاجة”، ورغم ذلك لم تهجر النصيحة إلا بعد أن بحثت لتصل إلى الحقائق.

 وعت سهام لأفكارها عن جسدها عندما تعرضت لنساء أخريات يتحدثن مع اتساع مصادر المعرفة على السوشيال ميديا. “ساعدني أتخلص من الوصم”.

العفة غاية التشويه

يبقى الختان واحدة من أشهر الخرافات التي يؤمن بها قطاعات من المجتمع، الذي يعتقد أن الأعضاء التناسلية الأنثوية يقلل من شهوة النساء ويجعلهن أكثر عفة، لم تقف هذه الخرافة عند حد السلوكيات الخاطئة، لكنها أودت بحياة الكثير من الفتيات حول العالم، أو قضت على رغبتهن الجنسية، وبعضها أثر على نفسية الفتيات، وتعاملهن مع أجسادهن ومع الجنس.

على الرغم من انخفاض نسبة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في الفئة العمرية من صفر إلى 19 سنة من 21%؜ سنة 2014 إلى 14% سنة 2023، بيانات المسح الصحي للأسرة المصرية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

يحظى الختان بهذه القوة في المجتمع لارتباطه بالعذرية وحماية الشرف، وهما أساس معظم الخرافات المرتبطة بأجساد النساء في المجتمع، كان ذلك واضحًا في تجربة فاطمة محمد التي تربت في محافظة الفيوم، على أن تركز بشكل مبالغ فيه على ساقيها “أتحرك بحساب ما أفتحهمش أكثر من اللازم ما ألبسش بناطيل ضيقة، ولا أركب عجلة، ولا أتشطف بمية فيها اندفاع عنيف، ماكنتش فاهمة كل ده ليه وعشان إيه بس التزمت بالتعليمات” تقول فاطمة لـ المنصة.

الفتيات عندما يكتبسن أفكارًا عن أجسادهن قد ترسخ في أذهانهن مدى الحياة

أدركت فاطمة ذات الـ23 سنة حقيقة الأمر مع بلوغها فترة المراهقة “عذريتي أمر مقدس، ولازم أحافظ عليها، أي حركة عنيفة هفقد غشاء البكارة”، وكما العادة صدقت دون أي دليل علمي.

العذرية مفهوم اجتماعي مرتبط بممارسة الجنس، إلا أن الكثير من المجتمعات لديها هوس بالأمر، فتربي الفتيات على الحرص والخوف الشديد من كل ما يضر بهذه المنطقة من قريب أو بعيد، حسب نادية جمال.

وتشاركنا الاستشارية النفسية أن إحدى الفتيات كانت تخاف من دخول أي حمام مشترك، بعد دخول رجل، خشية أن تحمل منه، إذا صادف وكانت هناك بقايا من حيواناته المنوية على المرحاض، تقول “ده بيعكس عدم الوعي المنتشر حول أجسادنا وجنسانياتنا، والخوف الشديد من أي موقف قد يرتبط بدورنا الإنجابي أو الجنسي، كنساء، وتؤكد أن هذه الأفكار تنتشر أيضًا لدى الطبقة المتعلمة”.

تجعل هذه الخرافات النساء تحت وطأة الشعور الدائم بالقلق وعدم الارتياح، وتتحول كل تصرفات الفتاة اليومية فيما يتعلق بجسدها إلى موضع ارتباك واستفهام، فهي مرهونة بما يقوله المجتمع، يمزقها صراع بين ما تريده والمعتقد الخاطئ، تشعر بالخوف من العواقب حتى وإن كانت غير موثوقة المصدر، وفي حال كسرها لقواعد المجتمع قد تغدو في عزلة اجتماعية، وفق ما يرى دكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي.

الوعي ينهي المشكلة

“نجد أشخاصًا على مستوى عالٍ من التعليم ملتزمين بهذه الثقافات، نتيجة التهديد الذي واجهوه في صغرهم، فأصبحوا يعيدون تدويره، ولم يغيّر التعليم في فكرهم شيء، لأنه شتان ما بين الثقافة وما بين التعليم” يقول فرويز لـ المنصة.

ما يزيد من أثر الخرافات أن الفتيات عندما يكتسبن الأفكار عن أجسادهن، سواء كانت مرتبطة بمقاييس الجمال أو العناية الذاتية، يظللن مؤمنات بها، لأنه حسب ما يوضح فرويز هذه الأفكار/الخرافات تشكل ما يسمى “Body image in the brain” أي صورة الجسد في المخ، وكيف نرى ذواتنا، التي تنعكس على رؤية الآخرين لنا، هذه الأفكار قد ترسخ مع الفتيات مدى الحياة، وقد تؤدي إلى الانطوائية، أو الاكتئابية، أو ربما الانتحار وفقًا لنوع الشخصية والفترة التي تعرضت فيها الفتاة لهذه الأفكار.

يستمر الأثر حتى العلاقة الزوجية، يقول فرويز “ممكن تعليق سخيف أو نفور يعمل فتور في العلاقة بين الزوجين”، ويستكمل شارحًا “مشكلتنا مع الوعي، فكلما زاد كلما قضينا على هذه المشكلات”

يطرح الطبيب النفسي التربية الجنسية في المدارس كحل يسمح للفتيات بالتعلُّم عن أجسادهن بطريقة صحيحة، “تفهم ازاي تحمي نفسها وازاي تتعامل مع البلوغ وتحافظ على نظافتها الشخصية”، ليقطع الطريق على ما ينتجه غياب الوعي من خرافات.

كما تعمل العديد من الجمعيات النسوية على رفع الوعي لدى النساء والفتيات من خلال حملات منظمة، مثل حملة جسمها حقها التي أطلقتها مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة في الفترة من 20 وحتى 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024.