كيف تحول الخرافات بين المرأة وجسمها

كتبت: وفاء خيري

نقلا عن موقع المنصة

“بروز صدري خلاني أحس بالقلق والارتباك ما اتقبّلتش التغيير، كنت طفلة مش فاهمة حاجة عن جسمي” تسترجع سمر سليمان مشاعرها كطفلة تبدأ مرحلة البلوغ، التي تفتقد فيها الفتيات مصدرًا آمنًا للمعلومات عما يحدث لهن من تغيّرات، لتبقى المساحة مفتوحةً على مصراعيها للخرافات.

تقول سمر لـ المنصة “فجأة أمي اشترت لي حمالة صدر رياضية، ولما حكيت لصاحبتي، سألتني ليه إنتي نزلتي لبن؟”.

يُحاط الجسد الأنثوي في مجتمعنا بسلسلة من الخرافات ينميها المجتمع، تظهر في طريقة ارتداء الملابس، الحركة والصوت والتعاملات، ما يؤثر في كيفية تعاملهن مع التطورات الطبيعية التي يمر بها، البلوغ والزواج مرورًا بالحمل والولادة، ووظائفه البيولوجية والجنسية.

معلومات سرية

يبقى كل ما يتعلق بالاتصال الجنسي بالآخر سرًا مخفيًا لا يُكشف للفتيات إلا وقت الزواج، هذا إن ظَهر أصلًا. ينشأ هذا الجسد وسط توقعات مثقلة بالمعايير المجتمعية غير الواقعية، وما يُعتبر “مقبولًا” أو “غير مقبول” في إطار الثقافة السائدة

لم تراجع سمر البالغة من العمر اليوم 30 سنة صديقتها فيما أخبرتها به عن ارتباط بروز الثدي بإدرار اللبن.

كرهت سمر شكل ثدييها في بروزهما، ورأته “حاجة شاذة” فكانت ترتدي الصدرية طوال الوقت حتى أثناء الاستحمام، لتخبرها والدتها أن ذلك سيزيد من حجمهما وليس العكس. انصاعت الفتاة ذات الـ11 سنة لوالدتها في سبيل الحفاظ على شكل جسدها كما تعرفه، دون تغييرات لا تفهمها ولا تقبلها.

“ماحدش قالي إن ده طبيعي، وإن الثدي البارز من مظاهر الجمال، ماكنش عندي معلومة صحيحة، مجرد خرافات أمي بتقولها لي عشان عايزاني أتصرف بشكل معين” تقول سمر التي لم تنجح في التصالح مع ثدييها إلا بعد أن تزوجت وأنجبت وأرضعت طفلها، فاستطاعت أن ترى جسدها بشكل آخر.

عاشت سمر التي تعمل مصورة فوتوغرافية سنوات من حياتها في محاولات تجنب التعامل مع هذه المنطقة من جسدها، قدر الإمكان، في واحد من الآثار التي تتركها الخرافة على حياة النساء.

الحسد والجسد

ما واجه سمر ليس أمرًا فرديًا، تختلف فقط تفاصيله من فتاة لأخرى، عاشت سهام أحمد في محافظة أسيوط سنوات في قلق وحزن بسبب معلومة أخبرتها بها صديقتها عن البلوغ.

تقول سهام البالغة من العمر 23 سنة لـ المنصة “لما بلغت رحت قلت لأقرب صاحبة ليا، فقالتلي إنها بلغت قبلي بس ما قالتليش عشان ما تتحسدش”، كانت الصغيرة تعتقد كما أخبرتها والدتها أن بلوغها المبكر هو دلالة على أن “صحتها الإنجابية كويسة وهتخلف علطول، وده خلاني عايشة طول الوقت في قلق إن عندي مشاكل عشان إتأخرت لحد ما بلغت” رغم أن الفارق بينهما لم يتعد بضعة أشهر.

نتشكك في أبسط التصرفات البديهية خوفًا من أن تضرنا كنساء

بلغت الفتاتان في سن الثانية عشرة،  وهو عمر غير متأخر بالمرة، غير أن جهلهما بالحقائق العلمية حول البلوغ، وخضوعهما للخرافات المتداولة، حوّل سنوات بلوغها إلى سنوات من الخوف.

 

 

تساهم البيئات الريفية وغير المتعلمة في انتشار هذه الأفكار المغلوطة بالوراثة، دون التأكد من صحتها أو التشكيك فيها، وهو ما تؤكده دكتورة نادية جمال، استشارية أسرية وتربوية، لـ المنصة أن “ثقافتنا كأفراد لا تختلف عن ثقافات مجتمعاتنا فنحن نتأثر بما يدور حولنا وبقناعات آبائنا وأجدادنا، حتى وإن لم يكن لها دليل علمي”.

تُرجع الاستشارية الأسرية انتشار معلومات كثيرة خاطئة حول الجسد إلى قلة الوعي المتوارثة، “دون تحقق أو تأكد من صحة المعلومات، وجعلنا كذلك نتشكك في أبسط التصرفات البديهية خوفًا من أن تضرنا كنساء”.

كما حدث مع سهام التي نصحتها أمها بتجنب الاستحمام وقت الدورة الشهرية “عشان هتأذي المنطقة، نتعامل معها زي الجرح ما نقربش منها بمية غير لما يقف النزيف”، واستمرت في اتباع النصيحة رغم ضيقها من قضاء أربعة أو خمسة أيام كل شهر دون استحمام أو نظافة شخصية “كنت بحس إني مش نضيفة ومش طايقة نفسي ولا طايقة أعمل حاجة”، ورغم ذلك لم تهجر النصيحة إلا بعد أن بحثت لتصل إلى الحقائق.

 وعت سهام لأفكارها عن جسدها عندما تعرضت لنساء أخريات يتحدثن مع اتساع مصادر المعرفة على السوشيال ميديا. “ساعدني أتخلص من الوصم”.

العفة غاية التشويه

يبقى الختان واحدة من أشهر الخرافات التي يؤمن بها قطاعات من المجتمع، الذي يعتقد أن الأعضاء التناسلية الأنثوية يقلل من شهوة النساء ويجعلهن أكثر عفة، لم تقف هذه الخرافة عند حد السلوكيات الخاطئة، لكنها أودت بحياة الكثير من الفتيات حول العالم، أو قضت على رغبتهن الجنسية، وبعضها أثر على نفسية الفتيات، وتعاملهن مع أجسادهن ومع الجنس.

 

 

على الرغم من انخفاض نسبة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في الفئة العمرية من صفر إلى 19 سنة من 21%؜ سنة 2014 إلى 14% سنة 2023، بيانات المسح الصحي للأسرة المصرية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

يحظى الختان بهذه القوة في المجتمع لارتباطه بالعذرية وحماية الشرف، وهما أساس معظم الخرافات المرتبطة بأجساد النساء في المجتمع، كان ذلك واضحًا في تجربة فاطمة محمد التي تربت في محافظة الفيوم، على أن تركز بشكل مبالغ فيه على ساقيها “أتحرك بحساب ما أفتحهمش أكثر من اللازم ما ألبسش بناطيل ضيقة، ولا أركب عجلة، ولا أتشطف بمية فيها اندفاع عنيف، ماكنتش فاهمة كل ده ليه وعشان إيه بس التزمت بالتعليمات” تقول فاطمة لـ المنصة.

الفتيات عندما يكتبسن أفكارًا عن أجسادهن قد ترسخ في أذهانهن مدى الحياة

أدركت فاطمة ذات الـ23 سنة حقيقة الأمر مع بلوغها فترة المراهقة “عذريتي أمر مقدس، ولازم أحافظ عليها، أي حركة عنيفة هفقد غشاء البكارة”، وكما العادة صدقت دون أي دليل علمي.

العذرية مفهوم اجتماعي مرتبط بممارسة الجنس، إلا أن الكثير من المجتمعات لديها هوس بالأمر، فتربي الفتيات على الحرص والخوف الشديد من كل ما يضر بهذه المنطقة من قريب أو بعيد، حسب نادية جمال.

 

 

وتشاركنا الاستشارية النفسية أن إحدى الفتيات كانت تخاف من دخول أي حمام مشترك، بعد دخول رجل، خشية أن تحمل منه، إذا صادف وكانت هناك بقايا من حيواناته المنوية على المرحاض، تقول “ده بيعكس عدم الوعي المنتشر حول أجسادنا وجنسانياتنا، والخوف الشديد من أي موقف قد يرتبط بدورنا الإنجابي أو الجنسي، كنساء، وتؤكد أن هذه الأفكار تنتشر أيضًا لدى الطبقة المتعلمة”.

تجعل هذه الخرافات النساء تحت وطأة الشعور الدائم بالقلق وعدم الارتياح، وتتحول كل تصرفات الفتاة اليومية فيما يتعلق بجسدها إلى موضع ارتباك واستفهام، فهي مرهونة بما يقوله المجتمع، يمزقها صراع بين ما تريده والمعتقد الخاطئ، تشعر بالخوف من العواقب حتى وإن كانت غير موثوقة المصدر، وفي حال كسرها لقواعد المجتمع قد تغدو في عزلة اجتماعية، وفق ما يرى دكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي.

الوعي ينهي المشكلة

“نجد أشخاصًا على مستوى عالٍ من التعليم ملتزمين بهذه الثقافات، نتيجة التهديد الذي واجهوه في صغرهم، فأصبحوا يعيدون تدويره، ولم يغيّر التعليم في فكرهم شيء، لأنه شتان ما بين الثقافة وما بين التعليم” يقول فرويز لـ المنصة.

ما يزيد من أثر الخرافات أن الفتيات عندما يكتسبن الأفكار عن أجسادهن، سواء كانت مرتبطة بمقاييس الجمال أو العناية الذاتية، يظللن مؤمنات بها، لأنه حسب ما يوضح فرويز هذه الأفكار/الخرافات تشكل ما يسمى “Body image in the brain” أي صورة الجسد في المخ، وكيف نرى ذواتنا، التي تنعكس على رؤية الآخرين لنا، هذه الأفكار قد ترسخ مع الفتيات مدى الحياة، وقد تؤدي إلى الانطوائية، أو الاكتئابية، أو ربما الانتحار وفقًا لنوع الشخصية والفترة التي تعرضت فيها الفتاة لهذه الأفكار.

يستمر الأثر حتى العلاقة الزوجية، يقول فرويز “ممكن تعليق سخيف أو نفور يعمل فتور في العلاقة بين الزوجين”، ويستكمل شارحًا “مشكلتنا مع الوعي، فكلما زاد كلما قضينا على هذه المشكلات”

يطرح الطبيب النفسي التربية الجنسية في المدارس كحل يسمح للفتيات بالتعلُّم عن أجسادهن بطريقة صحيحة، “تفهم ازاي تحمي نفسها وازاي تتعامل مع البلوغ وتحافظ على نظافتها الشخصية”، ليقطع الطريق على ما ينتجه غياب الوعي من خرافات.

كما تعمل العديد من الجمعيات النسوية على رفع الوعي لدى النساء والفتيات من خلال حملات منظمة، مثل حملة جسمها حقها التي أطلقتها مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة في الفترة من 20 وحتى 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

 

وسائل التواصل الاجتماعي.. مساحة عنف جديدة ضد المرأة العاملة

بقلم: وئام مختار

نقلا عن المنصة

مثلما أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على العديد من الجوانب في حياتنا، كذلك تحولت إلى أداة في أيدي ممارسي العنف ضد المرأة.

يعتبر العنف على أساس النوع الاجتماعي، وبالتحديد العنف ضد النساء ظاهرة عالمية، فبحسب الإحصاءات الحديثة للأمم المتحدة هناك حوالي 35% من النساء حول العالم اختبروا عنفاً مادياً أو جنسياً من شريكهم، وحوالي 30% من النساء اختبرن هذا العنف من شخص غريب سواء في الأماكن العامة أو أماكن العمل، في نقطة ما من حياتهن.

وفي تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للنقابات تعاني ما بين 40% إلى 50% من النساء من تلميحات جنسية غير مرغوب فيها أو ملامسة جسدية أو شكل آخر من أشكال التحرش الجنسي في أماكن العمل.

كما قد يصبح العنف “الوظيفي” عنفاً جسدياً ومادياً، بالتعرض لجسد المرأة واستنزافها في ساعات تفوق ساعات العمل الرسمية، أو التهديد بالفصل أو بالجزاءات أو الخصومات لإجبارها على سلوك معيَّن.

في مصر تعاني النساء من العنف والتحرش الجنسي في الشوارع بنسب مخيفة، ويأتي العنف والتهديد والابتزاز في أماكن العمل كنتيجة طبيعية للأنماط الثقافية السلبية المنتشرة في المجتمع عن المرأة، وبالتحديد عن المرأة العاملة التي تساوي نفسها بالرجل وتمارس حقها في الحصول على عمل لائق.

لا يتوقف الأمر عند ذلك، فنحن في عصر حسابات التواصل الاجتماعي واستغلالها ضد النساء في أماكن عملهن كان مسألة وقت، سواء باستخدام الصور الشخصية والتهديد بنشرها علانية، أو باستخدام آراء العاملات السياسية والدينية والاجتماعية ضدهن لإجبارهن على سلوك معيَّن. أو منعهن من الحصول على مستحقاتهن وحقوقهن الرسمية.

هذه الصور أو الآراء غالباً ما تكون نتيجة لتتبع الحسابات الشخصية للنساء العاملات بغير علمهن ومحاولةً للحصول على وسيلة ضغط تمكنهن من ابتزاز النساء.

المحاكمة بالفيسبوك

بدأت الحديث مع رشا حسين (اسم مستعار) ذات الثمانية والعشرين عاماً والتي تعمل مدرسة في مدرسة دولية خارج القاهرة، بعدما عبَّرَت رشا عن غضبها من زملائها في العمل على فيسبوك.

تضطر رشا لارتداء الحجاب أثناء دوام العمل، رغم كونها غير محجبة خارجه، لأن زملاءها الرجال في العمل ينظرون إليها بعين الريبة كونها المسلمة الوحيدة التي لا ترتدي الحجاب.

بدأت المضايقات العشوائية تتحول إلى تنمُّر يومي، عندما راقب أحد زملائها حسابها على فيسبوك، واضطلع بنقل آرائها الحياتية والسياسية إلى بقية الزملاء، وأصبح الرجال يتعمَّدون إهانة أصحاب الديانات الأخرى أمامها لعلمهم باحترامها للآخر، وعندما ترد يتهمونها بالإلحاد.

في أيام أخرى يعلِّق أحد الزملاء بشكل خاص على أجساد النساء العابرات وعلى أجساد الفتيات في المدرسة أمامها منتظراً رد فعلها، وعندما لم ترد بدأ يقارن بين جسدها وأجسادهن.

اشتكت رشا إلى مدير القسم بشكل شفهي عدة مرات، استمع إليها وأوقف المدرسين عند حدهم، لكنهم ما لبثوا أن عادوا إلى التعليقات العشوائية بمباركة مدرستين من زملائها انضمتا إلى حفلة التنمُّر، ولم يوقفهم إلا حديث مباشر من خطيب رشا إلى مدير القسم.

تجهِّز رشا لزواجها المرتقب وهذا يعني أنها في حاجة إلى المرتب ولا تستطيع الاستقالة أو التهديد بها، وبالتالي فهي ترتدي الحجاب يومياً رغماً عنها وتحاول تجاهل المراقبة والتنمُّر المبطَّن ومحاولات التحرّش اللفظي بها، على أمل أن تترك المدرسة بعد الزواج.

في واقعة أكثر حدَّة، تحكي يمنى محمود، محاضرة اللغة الإنجليزية للكبار، (في الثلاثينات من عمرها)، عن عملها الأصلي كصيدلانية، بعد تخرجها من الجامعة بتقدير عالٍ.

أول عمل لها كان في صيدلية في منطقة الزمالك بالقاهرة عام 2011، كان مالك الصيدلية متزوجاً بالفعل من سيدتين، ويسعى لجعلها الثالثة ولو بالقوة.

بدأ الأمر بأسئلة ونكات ذات محتوى جنسي، وكفتاة حديثة التخرج والخبرة بالحياة، كانت تلتزم الصمت، أو تحاول الهروب من الصيدلية في أوقات تواجده، حتى عرض عليها الزواج بشكل رسمي وعندما رفضت بدأ التعسف معها وخصم أيام من مرتبها لأي سبب ممكن، حتى تركت العمل في الصيدلية.

تكرر التحرُّش الجنسي ومحاولات إرغامها على علاقة جنسيَّة بالقوة في صيدليتين أخريين كان يملكهما رجال، حتى قررت يمنى العمل في صيدلية تملكها سيدة في سن مقارب من عمرها وقتها عام 2015، لكن الصيدلية كانت تعاني من العديد من المشاكل الإدارية، حتى أن المرتبات تأخرت مرة لثلاثة أشهر.

وفي مرة نسيت يمنى حساب فيسبوك مفتوحاً على حاسب المكتب، فاستغلت صاحبة الصيدلية الحساب للاطلاع على محادثاتها الشخصية مع شريكها، وصورها الخاصة، ورفضت دفع مستحقاتها، وهددتها بالصور التي احتفظت بها.

كما أخبرت صاحبة الصيدلية أخيها بالموضوع، والذي بدوره هدد يمنى بتحميل الصور على الإنترنت لعموم البشر وإرسالها إلى أهلها في الصعيد إذا جرؤت على المطالبة بمستحقاتها أو كتبت عن الصيدلية على الإنترنت.

عند هذه المرحلة، كانت يمنى تعاني من صدمات متتالية متراكمة، وشعور دائم بالإهانة والتهديد بسبب مهنتها، التي تحولت في نظر أصحاب العمل إلى أداة جنسية مهما فعلت، وتحولت اختياراتها الشخصية في حياتها إلى أداة لتهديد أمانها وحرمانها من مستحقاتها.

أخذت قراراً كبيراً بتغيير المهنة، وأصبحت محاضرة لغة إنجليزية للكبار، تحرص دائماً على العمل في الأماكن العامة.

أصبحت يمنى أكثر عنفاً وحدّة في التعامل مع المواقف الشبيهة، حتى وإن كانت لا تدخل الصيدليات اليوم كمشترية بمفردها إلا نادراً.

 

التحرش من واجبات العمل

أما دعاء صابر فهي في منتصف الثلاثينيات، وأم لثلاثة أطفال، كانت تعمل في شركة مالية كبيرة، وكانت مساعدة شخصية لمدير الشركة ورئيس مجلس إدارتها العام الماضي.

بدأ التحرش الجنسي من قبل المدير في شكل مزاح ذي تلميحات جنسية، وإرسال مقاطع فيديو غير لائقة لها.

لم تكن دعاء ترد على هذه التلميحات، حتى اليوم الذي كانت فيه تعرض عليه أوراقاً خاصة بالعمل في مكتبه، فأمسك صدرها بقوة فابتعدت إلى الخلف، فحاول الإمساك بها باليد الأخرى مقيداً حركتها، لكنها دفعته وهرعت إلى خارج المكتب صامتة بتأثير الصدمة.

وقتها كتبت على حسابها الشخصي على فيسبوك عن الموضوع بشكل مبهم، لكن أحد زملاء العمل كان يراقب حسابها بتوجيهات من المدير الذي كان يتابع أخبارها وصورها، وأرسل المنشور للمدير المتحرش.

وفي اليوم التالي وجدت قراراً بنقلها إلى الأرشيف، واستلم مختص من الشركة اللابتوب الخاص بها وطهره من أي معلومات أو ملفات تخص المدير.

استلمت دعاء العمل في المكان الجديد، لكن الموظفين لم يتوقفوا عن مضايقتها، بدأوا في الكلام عما حدث، واتضح أنه شيء متكرر وأن هناك نساء قبلها تركوا العمل في خلال شهرين وثلاثة.

سألها نائب المدير لم اعترضت على التحرش بها بعد مراقبة حسابها الشخصي على فيسبوك ومعرفة أنها مطلَّقة وأنها تبدو متحررة، حيث كان يمكنها قبول التحرش والاستمرار في عملها بسهولة، وعندما أبدت اندهاشها من قبوله للفكرة، أخبرها أنها ما دامت ليست أخته أو زوجته فهو ليس مضطراً لاتخاذ موقف.

وعندما كررت رفضها، بدأ المدير توجيه التعليمات بالخصم والمضايقات حتى رفضوا تجديد تعاقدها مع الشركة وحرموها من مستحقاتها في أرباح السنة.

تعيش دعاء الآن بشعور شديد بالظلم وبخيالات وأحلام للانتقام من المدير الذي تحرش بها وبالأخريات، لكنه محمي بنفوذه وسلطته، واستغلاله لعلاقات القوى التي تجعل الموظفة معه دائماً في موقع ضعف وفي حاجة إلى المرتب.

في الحالتين، لم تستطع دعاء ويمنى إثبات التحرش أو المضايقات.

سواء في مكتب المدير أو في الصيدلية الخاصة، لا توجد كاميرات مراقبة، ولا يوجد شهود، وإن وجدوا فالضحية تخاف من “قطع الرزق” وأن يجدوا أنفسهم في اليوم التالي في الشارع، لا توجد آليات للشكوى أو التحقيق، ولا حتى بيئة رافضة لهذه الممارسات.

 

ما الذي أفعله؟

 

بالتأكيد العنف في أماكن العمل على أساس النوع مسألة هيكلية، تتطلب إجراءات أوسع في بيئة عمل تدعم المساواة بين الرجل والمرأة ونظام إجازات والدية متساوٍ ونظام رعاية للطفل ومساواة في الأجور وغيرها من الاستحقاقات.

كما أن التوعية والتثقيف بحقوق النساء مهمة، لكن أيضاً يجب الدفع في اتجاه إشراك الرجال في هذه العملية وإقرار قوانين رادعة عن الفعل، ومسارات قانونية واضحة للشكوى في أماكن العمل نفسها مع إجراءات تأديبية تناسب فداحته.

وننصح من تتعرض لأي نوع من العنف في عملها أن تفعل التالي:

  1. أن تحتفظ بسجل موثق لوقائع العنف أو التحرش الجنسي إذا استطاعت ذلك، سواء عن طريق التسجيل أو التصوير أو الكتابة. اكتبي ما حدث بالتفصيل بالوقت والتاريخ والعبارات المستخدمة لاستخدامه عند الحاجة.
  2. أن تواجه المتحرش أو المعنَّف برد فعل سريع، وبصوت عالٍ وبثقة في النفس وبرفض واضح لما يفعله، الصمت أو التجاهل قد يدفعان إلى المزيد من الانتهاكات.
  3.  أن ترفع الشكوى فوراً إلى المدير المباشر، أو المدير الذي يترأسه، فالتكتُّم على الأمر يساهم في استمراره. إذا كان المتحرِّش هو المدير أو رب العمل، يمكن اللجوء إلى وسيط من المديرين الآخرين أو من الأهل.
  4. استعيني بزملاء العمل ليدعموكِ سواء كانوا رجالاً أم نساء. اطلبي الدعم والتضامن من زميلتك إذا لم يدعمك الرجال؛ أن تشهد على موقف مسيء لكِ أو أن تتحرك دائماً معك في مواجهة المتحرّش أو المعنِّف، هذا التضامن من زملاء العمل سيُشعر رب العمل بالخطر وأنه يمكن مساءلته من مجموعة من الموظفين والموظفات.
  5. اطلبي المساعدة من مختص قانوني فيما يتعلق بإمكانية الإبلاغ عن الابتزاز أو التهديد لمباحث الاتصالات والإجراءات المطلوبة لذلك، كما اطلبي مساعدة مختص نفسي، هناك منظمات مجتمع مدني تعمل على دعم النساء المعنَّفات وتقديم الاستشارات المناسبة لهن للتصرف مع هذا العنف ولتجاوز آثاره النفسية والجسدية، أنتِ تستحقين الرعاية والاهتمام فلا تنكري حقك في ذلك.

كيف ترسم حدودك الشخصية؟

بقلم: خالد أنور

نقلا عن موقع المنصة

ما هو المقصود بالحدود الشخصية؟ كيف أعرف حدودي الشخصية في العلاقات المختلفة؟ كيف أعرف أن تصرف شخص ما تجاهي يعد اختراقاً لحدودي الشخصية وكيف أتصرف في هذا الموقف؟

بشكل عام أي تدخل يجعلك تشعر/ين بعدم الارتياح هو اختراق لحدودك الشخصية وعليك رفضه.

مفتاح وضع حدودك الشخصية في العلاقات هو أن تعرف/ي جيداً ماذا تريد/ين من علاقاتك المختلفة في الحياة ومن ثم وضع الحدود بناءً على ما تريد/ين وأن تكون/ي واضحاً/ة مع نفسك ومع الآخرين بخصوص هذه الحدود.

أي أن حدودك الشخصية في علاقة حب أو مع أحد أفراد عائلتك أو أقاربك تختلف عن حدودك في علاقة صداقة وكلاهما يختلفان عن حدودك في علاقة زمالة العمل، وحدودك في كل هذه العلاقات تختلف عن حدودك في التعامل مع الغرباء.

وفي كل شكل من أشكال العلاقات هذه عليك أن تقرر/ي ما يريحك وما لا يريحك ودرجة القرب المناسبة لك في التعامل مع أطراف العلاقات المختلفة وأن تضع/ي حدودك بناءً على ذلك وأن يكون الأمر واضحاً لك وللطرف الآخر.

الحدود الشخصية هي الحدود التي نضعها بيننا وبين الأشخاص الآخرين والتي تفصل بين ما نجده مقبولاً وما نجده غير مقبول في تصرفاتهم تجاهنا وقدر اقترابهم منا.

ويمكن أن نقسم هذه الحدود إلى خمسة أشكال رئيسية:

1. الحدود العقلية أو الذهنية: وهي تمثل المسافة التي تحتاجها/ تحتاجينها بينك وبين الآخرين فيما يخص أفكارك وآرائك في العلاقات المختلفة.

على سبيل المثال قد تقبل/ين التدخل في رأيك بشأن أمر ما وانتقاده ومناقشته من قبل صديق أو حبيب بينما لا تقبل/ين ذلك من زميل في العمل ويشعرك ذلك بعدم الارتياح.

2. الحدود العاطفية: تمثل المسافة التي تحتاجها/ تحتاجينها بينك وبين الآخرين فيما يخص مشاعرك وأحاسيسك.

على سبيل المثال قد تشعر/ين بعدم الارتياح عندما يسألك زميل/ة عمل عن علاقة عاطفية سابقة أو مرض أصبت به أثناء الطفولة أو انفصال الوالدين على سبيل المثال أو أي موقف مماثل مثير عاطفياً ويحرك مشاعرك، بينما ترحب/ين بالحديث في مثل تلك الأمور مع حبيب أو أخ أو صديق.

shutterstock

3. الحدود الاجتماعية: وهي تمثل المسافة التي تضعها/ تضعينها بينك وبين الآخرين فيما يخص تشارك الأنشطة الاجتماعية.

على سبيل المثال قد تستمتع/ين بحضور حفل غنائي أو مسرحية أو السفر مع بعض أصدقائك بينما لا تستمتع/ين بالقيام بهذه الأنشطة مع البعض الآخر، لذا لا يجب أن تجبر/ي نفسك على مشاركة الأنشطة الاجتماعية مع أشخاص لا ترغب/ين في مشاركتهم مثل هذا النوع من الأنشطة حياءً أو خجلاً أو خوفاً من أن يغضبوا منك.

4. الحدود الروحية: وهي تمثل المسافة التي تحتاجها/ تحتاجينها بينك وبين الآخرين فيما يخص الأمور المتعلقة بالمعتقدات الروحية كالمعتقدات الدينية على سبيل المثال.

5. الحدود الجسدية: وهي تمثل المسافة التي تشعر/ين معها بالارتياح أو عدمه عندما يقترب شخص ما منك جسدياً.

 

اعرف/ي حدودك

كي تبدأ/تبدئي في وضع حدودك مع الآخرين في العلاقات المختلفة، عليك البدء في القيام بالآتي:

1. اعرف/ي بوضوح حدودك الذهنية والعاطفية والاجتماعية والروحية والجسدية مع كل من شريكك الحميمي وعائلتك وأقاربك وأصدقائك وزملاء العمل والغرباء.

راجع/ي خبرات الماضي التي شعرت فيها بعدم الارتياح أو الغضب أو الإحباط مع الأشخاص المختلفين في المواقف المختلفة، سيساعدك ذلك على معرفة الحدود التي تريحك في التعامل مع الأشخاص المختلفين في المواقف المختلفة.

يمكنك أن تصنع/ي جدولاً مكوناً من 5 خانات أفقية تكتب/ين فيها الأشكال الخمسة للحدود الشخصية “الحدود العقلية والعاطفية والاجتماعية والروحية والجسدية” وخمس خانات عمودية تكتب/ين فيها الأنماط الخمسة الرئيسية للعلاقات “العائلة والأقارب، الشريك الحميمي، الأصدقاء، زملاء العمل، الغرباء”.

ثم تبدأ/ تبدئين في كتابة الأشياء التي تريحك وتشعر/ين معها بالأمان والعكس فيما يخص أنماط الحدود الشخصية المختلفة مع كل شكل من أشكال العلاقات، على سبيل المثال:

“لا أشعر بالارتياح عندما يسألني زميل العمل عن حياتي العاطفية، لا أشعر بالارتياح عندما أخرج في نزهة مع بعض الأقارب. أشعر بالهدوء والاطمئنان عندما أتحدث مع حبيبي عن معتقداتي الروحية أو خبرات الطفولة المؤلمة، وهكذا”.

عمل هذا الجدول وتدوين هذه المعلومات عن حدودك الشخصية سيساعدك في تقييم إذا ما كان شخص ما يتخطى الحدود التي وضعتها لنفسك أم لا، ضع/ي في اعتبارك أن حدودك الشخصية قد تتغير بمرور الوقت لذا عليك أن تعمل/ي على تحديث هذا الجدول باستمرار مع تزايد خبراتك وما ينتج عنه من تغير في الاحتياجات.

2. اعلم/ي أن خلق حدود شخصية لنفسك أمر رائع ولكنه ليس كافياً بمفرده، والخطوة التالية هي أن توضح/ي حدودك الشخصية في التعامل للآخرين وأفضل طريقة للقيام بذلك هي أن تخبرهم/ تخبريهم مباشرة إذا شعرت أن شخصاً ما يخترق حدودك حتى يتوقف.

عليك أن تكون/ي حاسمة في توضيح حدودك للآخرين رغم صعوبة الأمر في البداية إذ قد تخشى/ تخشين أن يعتقد الآخرون أنك فظ/ة أو وقح/ة، ولكن اعلم/ي أن إرساء حدودك الشخصية أمر بعيد كل البعد عن الفظاظة والوقاحة ولكنه على العكس يعني أنك تقدر/ين نفسك واحتياجاتك ومشاعرك أكثر من آراء وأفكار الآخرين تجاهك.

كونك حازماً/ة لا يعني أنك قاسي/ة مع الآخرين ولكنه يعني أنك صريح/ة وأمين/ة معهم.

وهذا ما سوف يدركه المحيطون بك مع الوقت، وسيساعدك ذلك على الحفاظ على سلامك النفسي وكرامتك واحترامك لنفسك.